الجــــزء الخـــــامـــــس
بذلت أقصي جهدها لتمنع نفسها من بكاء شديد، بعد أن ألقت جسدها علي أقرب مقعد، واقتربت منها أمها قائلة في حنان: افتكرتيه؟، قالت وهي مازلت تحاول كتمان دموعها: انا منستوش يا امي عشان افتكره، قالتها وسرحت بافكارها، مضت سنة وعدة أشهر علي تخرجها، لم تراه منذ أكثر من عام، كان قد وعدها بعد التخرج انه سوف يتقدم لها عندما تكون ظروفه مناسبة، طلب منها قطع الحديث حتي يسير كل شيء بطريقة شرعية، لا تعلم عنه شيء حتي الآن، كم تفتقده، كم تود سماع صوته علي الأقل... "كان إنسان كويس فعلاً"، قاطعت امها حبل افكارها، ووضعت يدها علي كتفها في حنان... "لكن هو فيه دلوقتي"، أدار الإثنان عيونهما نحو المتحدث، كان ابن عمها، ردت عليه في عدوانية واضحة: انت عايز ايه

نظر إلي عينها مباشرة وقال: عايزك انتِ، قالت في عصبية :نعم؟! ابتسم في هدوء وكإنما يقدر مشاعرها وقال: اقصد اني سمعت من امك انك تعبانة ومهمومة شوية، فجيت علشان اطمن عليكي، قالت في توتر: شكراً، التزمت امها بالصمت، واكتفت بمراقبتهما، في حين تطلع هو إلي عينها، قبل أن يسألها في هدوء: انت بتكرهيني ليه؟!، فقالت: أكرهك؟! ايه اللي انتي بتقوله ده، اجابها في هدوء: اسلوبك العدواني معي، عصبيتك الزايدة كلما اتقابلنا او اتكلمنا، قالت امها في حزن: عنده حق، استدارت اليها وقالت مستنكرة: حتي انتِ يا امي، ظل هو يتطلع إلي وجهها، وهو يقول في همس: انت عارفة انك جميلة فعلاً، نظرت إليه نظرة استنكار، وقالت في غضب: انت بتقول ايه، اجابها مبتسماً: انا بقول انك جميلة فعلاً، بس انتِ دافنة جمالك ده ورا قناع كئيب، و..... "انت عايز مني ايه بالظبط"، قاطعته في عصبية، لكنه اجابها وابتسامته تتسع: عايز اعمل اللي معملوش هوه، وملأت ابتسامته وجهه، وهو يضيف: اتجوزك
دقيقة كاملة من الصمت مضت، وهي تتطلع إليه، وفي ابتسامته التي تملأ وجهه، قبل ان تقول في استنكار: تتزوجني أنا؟!، ضحك وهو يقول: اكيد... فانا مش هتجوز والدتك، ومفيش حد غيرنا هنا، مضت لحظة أخري من الصمت قبل ان تكرر في غضب: انت عايز تتجوزني انا؟!، هز كتفه وقال: وليه لا، ارتبكت ولم تعرف ماذا تقول، ولكنه نهض قائلاً: اسمعي يا بنت عمي، انا بطلب منك الزواج رسمياً، أمام والدتك، وبقول لك اني مش بغار منه، لأن مفيش حد بيغار من واحد مش موجود اساساً، فكري كويس، وانا مستني، قال كلماته وغادر الشقة في هدوء، واغلق بابها خلفه، فأدارت عينها إلي امها وهي تقول مستنكرة: يتزوجني انا؟!، تطلعت إليها أمها بنظرة مشفقة، قبل ان تقول: وليه لا، ردت قائلة: ليه لا؟! هاقولك ليه لا، لأني بحب واحد تاني، ومش هتجوز غيره...فهمتي، قالتها ونهضت من مقعدها وأغلقت باب غرفتها خلفها، وسمحت أخيراً لدمعة حبيسة أن تفر من عينها وتسيل علي وجهها وهي تقول: انت فين...سبتني لوحدي ليه بس، قالتها وجلست علي سريرها واغلقت عينها...تماماً
جمعت كل قوتها في لسانها، وحاولت أن تصرخ باسمه، حاولت، وحاولت .. وهو يبتعد .. ويبتعد، واخيراً انطلق اسمه، صرخت باسمه بكل قوتها، وهبت جالسة علي سريرها، مع ارتفاع صوت التليفون، إنه نفس الحلم مرة أخري، وتذكرته، إنها لم تنساه ابداً، لم تفارق صورته رأسها، ومن قلبها سالت دمعة، ووجدت نفسها تقول باكية: آه...لو ترجع !! اختطلت دموعها بصوت التليفون الذي ظل يرن وكأنه يشتكي، فتحت عينها وتطلعت في مزيج من الدهشة والحيرة إلي التليفون، وأخيراً رفعت السماعة

السلام عليكم...أتاها صوت دافيء، حنون يقول: وعليكم السلام، ازيك، أدارات رأسها وعينها في حركة عنيفة، كادت تقتلع عنقها من جذوره، وارتجف صوتها مع ارتعاده جسدها، وهي تقول: مين...ده انتَ ؟!!! أتاها نفس الصوت يقول: ايوه انا، ارتجف قلبها بين ضلوعها في فرح اسطوري، وهي تتخيل ابتسامته العذبة، قبل ان تسيل الدموع من عينها وتقول: مستحيل...اكيد انا لسه بحلم، قال في صوت ملؤه الدفء والحنان: لا حقيقة مش حلم، انا بشحمي ولحمي، سالت الدموع من عينها قائلة: ده انت فعلاً، الحمد لله...كنت عارفة انك مش هتسيبني ابداً، ابتسم في حنان، قائلاً: لسه مجاش ميعاد فراقنا، قالت في سعادة: انت كنت فين بقالك اكتر من سنة، كده تسبني لوحدي، قال: معلش، ديه قصة طويلة، ردت في لهفة: انا ممكن اسمعها، رد عليها في حنان: بعدين، بعدين يا بنتي، مر عليهما لحظات من الصمت، راحت تتخيله في سعادة وهيام، حتي قطع هو جدار الصمت وقال: هوه بابا موجود، مرة أخري ارتجف قلبها في فرح شديد ، واخرجت الكلمات بصعوبة شديدة قائلة: آه موجود، رد عليها بصوت هاديء: ممكن أكلمه؟! خرجت منها الكلمات هذه المرة بلهفة واضحة لم تخلو من الرجفة الملازمة لها منذ بدء المكالمة: حاضر، دقيقة واحدة، ولكنها عادت لتقول: هوه انت عايزه ليه؟! ابتسم قائلاً: اصلي كنت سالف منه فلوس وعايز ارجعهاله، اديني بابا يا بنتي الله يرضي عنك، ابتسمت لدعابته، وشعرت بقلبها يخفق بشدة وهي تقول: حاضر
قفزت من علي فراشها بسرعة، وقد أشرق وجهها وعادت إليه الدماء مرة أخري، كانت تشعر أنها تملك العالم بما فيه، لم تشعر ماذا قالت لوالدها، ولم تشعر بالمكالمة القصيرة نسبياً التي دارت بينه وبين والدها، ولكنها شعرت بالقوة والحيوية عادت إليها، نظرت إلي أمها، التي ابتسمت في حنان، بادلتها نفس الابتسامة، ابتسامة حنان و...........وحـــــــــب
No comments:
Post a Comment