
إنها نهاية السنة الرابعة، كانا يجلس في كافيتريا الجامعة، كانت هي جالسة أمامه، التوتر كان واضحاً علي ملامحها، رغم محاولتها إخفاء ذلك بقليل من الدعابات، ولكنه كان واضحاً، وكانت تعلم أنه واضح، فقد طلب منها أمس ان يتقابلا خارج الكلية، حتي ولو كان مكان المقابلة داخل الجامعة، إلا أنه خارج الكلية، وكان هذا كفيل بأن يسير الكثير من الشكوك والتوتر داخلها، فهو لم يطلب منها هذا من قبل، ماذا يريد، هل يريد.......توقف عقلها، بل وقلبها عند تلك النقطة، وشعرت بإرتجافة خفيفة تسري في عروقها، وتمنت من أعماقها أن يمر هذا اليوم علي خير، اختلست النظر إليه، وجدته حائراً، مضطرباً، علي ملامحه الكثير من التوتر، لاحظت أنه هم ليفتح فمه بالكلام، أو هذا ما تمنته، تمني أن يدخل في صلب الموضوع بدون اي مقدمات، فالمقدمات سوف تزيد من توترها، ولكنها احترمت صمته و.....توتره
كان مضطربا، فهما لم يعهدا ان يجلسا في هذا المكان من قبل، كان معظم التقاءهما داخل الكلية، لم يلتقي بها أبداً خارج الكلية، ولكن اليوم مختلف، كان قد حسم أمره، إنه بالفعل يشعر بشيء داخله لها، لقد انتظر كثيراً، أربع سنوات يدرسها عن قرب، انها فعلاً الشخصية التي يتمني أن تصبح يوماً ما زوجته، انه يحبها، وعند هذه اللحظة شعر بشيء داخله يستفسر عن حقيقه هذا الحب، هل هو حب، أم هل هو تعود علي وجود تلك الإنسانة في حياته، أم ماذا، لا لا، لا تدع الأوهام تلعب بك مرة أخري، لقد حسمت قرارك و......."ايه يا عم انت جايبني هنا عشان تسمعني سكاتك"، قاطعت حبل أفكاره بهذه الكلمة، انهما جالسين من عشر دقائق، لم يتكلم خلالها قط، كان يدرس افكاره ويرتبها، وتمني أن يسير السناريو كما يريد
تنحنح وقال: لا طبعا، هو انتي كويسة صح
ارتسمت علي ملامحا شبه ابتسامه خفيفة وقالت: آه الحمد لله
أومأ برأسه متمتماً بعبارة غير مفهومة ثم قال فجأة: طبعاً انتي عارفة اننا زمايل من اربع سنين
قالت وقد شعرت أنها المقدمة التي خافت منه: آه طبعا، وايه الجديد يعني
لاحظت في نهاية عبارتها القليل من قلة الذوق، فاستدركت سريعاً: وديه حاجة تشرفني طبعاً
خففت العبارة من توتره قليلاً وقال: وطبعا انتي عارفة اني بعزك جداً، وباحترمك و......و
قاطعته قائله بمرح محاوله منها لتخفيف الموقف: هو فيه ايه يابني
ادرك محاولتها، فتنحنح مرة أخري وقد قرر أن يدخل في صلب الموضوع مباشرة وقال: طبعا احنا زمايل وكل حاجة، بس انا حاسس...إن
صمت فترة شعرها اشبه بالدهر، وزادت من توترها وارتشعت يديها بطريقة ملحوظة، والتقت عينه بعينها مباشرة و.....حاسس ان اللي جوايا ده شعور اكبر من الزمالة
قالها وخفض عينه بسرعة، واتسعت عيناها هي، وشعرت ان جسدها كله يرتجف، ولم تدري ما تقول، مع انها كانت تتوقع هذا، وفي هذه اللحظة تقلب في عقلها الكثير من الذكريات، بداية من التعارف، مروراً بالسنوات السابقة، واحداثها الجميلة، والعصيبة في بعض الأوقات، وتذكرت أنه كان يقف معها في كل المواقف، الصعبة قبل الحلوة، وكان بمثابة أخ لها، ولكن الموقف الآن ليس موقف الأخوات، فهي تعلم مدي حقيقة شعورها نحوه، إنه ليس زمالة، أو صداقة، أو إعجاب، إنه حب.....توقف عقلها عن التفكير عند هذه النقطة، هل هو حب فعلاً، هل تحبه... هل....انا بحبك
قالها وانتفض جسدها كله، من رأسها حتي أخمص قدماها، وتراجعت بالكرسي للخلف بحركة لا إرادية كمن يدافع عن نفسه من هجوم متوقع، لم تتوقع أن يقولها بهذه السرعة، كانت تتوقع منه مقدمة أطول من تلك، ماذا تفعل الآن، لم تعلم ماذا تقول، ما الذي يقال في هذه المواقف، تلجلجت، وتعثر لسانها، بحثاً عن أي كلمة، ولم تجد، لاحظ هو ذلك علي ملامحها، فقال محاولة تهدئة الموقف، وقد شعر أنه تسرع في الحديث: انا عارف اني فاجئتك، بس معلش اعذريني، وطبعاً انا محترم قرارك وردك، لأن دي مشاعرك، وده قلبك، وعلي فكرة انا مش مستني منك كلام خالص دلوقتي، انا عارف طبيعة الموقف، خدي رحتك وفكري كتير، ويوم ماتحسي انك عايزة تردي عليا انا موجود، سواء رد بالإيجاب أو.......... أو بالرفض
هنا احست أنها تريد أن تقول له لا، انا مش رافضة والله، بس هيه المفاجأة بس، مش أكتر، لم يتكلم لسانها وتكلمت عينها، وقد احس هو ذلك، وترك عينها تتكلم، وتتكلم، وتتكلم، أكثر من خمس دقائق من الصمت، لكن هذا الصمت تخلله حديث من أروع الأحاديث، وأكثرها شاعرية، إنه حديث العيون، لا تستطيع الحروف أن توصفه، ولا الكلمات أن تعبر عنه، حديث استشفت منه ما كان يريد ان يقوله ولم يقوله، واستشف هو منه كل ما كانت تريد ان تقوله، لم يكن يريد إنهاء هذا الحديث، وكذلك هي، ولكنه رغما عنه قال في هدوء وكإنه يخاف علي جدار الصمت الرقيق أن يتأثر بارتفاع صوته: يالا عشان نلحق المحاضرة بقي، نظرت إليه نظرة أخيرة، نظرة رضا و...............وخضــــــــــــــوع
