أما قلت يا قلب أنك إذا ما تبت عن حب العراق تتوب
فها أنا تائب عن حب العراق فمالك علي ذكر العراق تذوب
-----------------------------------------------------------------------------------------------
إنها الثالثة بعد منتصف الليل، شوارع مدينة الفلوجة العارقية قد خلت من المارة بعد الحصار الذي طوقت به قوات الاحتلال المدينة، والدماء التي اريقت انهاراً بينها وبين المقاومة، كنت اجلس في شرفة منزلي، والقي نظرة بائسة علي الشوارع الخالية في محاولة مني لقتل الوقت، وفي انتظار صلاة الفجر، كان كل شيء يسير كما هو معتاد - الليلة مثل الليلة السابقة - وكان قد بدأ يغلبني النوم
وفجأة رأيت ظل يتحرك في الظلام، بدأت ادقق النظر وقد طار احساس النوم من عيني، انه فعل ظل، بل انه امرأه، وتحمل شيء علي صدرها - في مثل هذا الوقت!!، وكانت قد بدأت بالاقتراب من منزلي
توقفي...انطلق هذا النداء مني، تجمدت اطراف المرأه ونظرت إلي في ذعر، وضمت الشيء الذي تحمله أكثر إلي صدرها، قلت وانا احاول ان اطمنئها: ما الذي دفعك إلي الخروج في هذا الوقت يا أمي، ألا تعملي خطورة الظروف التي نحن بها، تلفتت حولها وقالت لي في ذعر: ابني مريض يا بني وابحث عن اي صيدلية او عيادة طبية، كان واضح من ملامحها انها في اوائل الخمسين من عمرها، فقلت لها: ولكن يا امي انك تعرضين حياتك للخطر، قالت وقد اكتسي صوتها بكثير من الصرامة: افضل تعريض حياتي للخطر علي تعريض حياتي ابني للخطر، هنا شعرت بثقل مسئوليتها فقلت لها بنفس النبرة: انتظري سوف آتي معك
وفي خوف واضطراب كنت أسير انا وتلك المرأه العراقية التي ضمت صغيرها إلي صدرها بشدة، ونحن نسير في خطوات سريعة عصبية بمحاذاة جدران المنازل باحثين عن أي صيدلية أو عيادة طبية لإسعاف الصغير
كنت اعلم تماما انني اجازف بالخروج معها في ذلك الوقت ومثل هذه الظروف، نظرت إلي المرأه المسكينة، كان حالها أسوأ مني، لم تكن تدري ما إذا كانت ستظفر بهدفها ام لا،، إلا أن ذلك لم يؤثر في عزيمتها، ورحنا نقطع الطرق من حي إلي حي و
توقفا...انطلق النداءالصارم بلغة عربية ركيكة، وبلكنة امريكية واضحة، فتجمدت أطرافي كلها، واتسعت عين المرأه في رعب، وضمت صغيرها إلي صدرها أكثر، كانوا أربعة من الجنود الأمريكيين وقد صوبوا إلينا مدافعم الآلية في تحفز واضح وقال قائدهم في عنف: من أنتما وماذا تفعلان هنا؟
كان يتقدم نحونا في تحفز شديد، حاولت أن اجيبه ولكن الكلمات وقفت في حلقي، صرخ هو: اجيبا، حاولت ان استجمع ما بقي مني من شجاعة، وقلت محاولا تبسيط الموقف: ابنها مريض ونبحث عن
هراء...قاطعتني صرخته، وهو يندفع نحوي بمدفعه الآلي، تراجعت المرأه في ذعر والتصقت بالجدار، لم اتمكن من فعل اي شيء، وقائدهم يواصل: من أدراني ان ما تحمله المرأه طفل، علي الرغم من خوفي قلت له في دهشة: وماذا يمكن ان يكون، اجاب الرجل بكل وحشية: متفجرات، اقترب احدهم من المرأه في عصبية وقال: اكاد اجزم انها متفجرات، اي طفل هذا الذي يظل ساكنا طوال هذه الفترة، قالت المرأه في ذعر: اقسم انه...قاطعها قائدها وهو يدفع مدفعه في وجهها: اعطني هذا الشيء، شهقت المرأة وقالت: أي شيء؟ صاح الرجل بكل شراسة: المتفجرات
انتابني قلق شديد في هذا الموقف ووجدت نفسي اقول: ليست متفجرات...انه طفلها...انه مريض، و...قاطعني بضربة مدفع علي وجهي القتني مترين إلي الخلف، وصرخ صرخة شديدة: اعطيني اياها ايتها المرأه، ارتجف جسد المرأه وهي تصرخ: لا..لا..انه طفلي
اندفع الجنود الأربعة نحو المرأه في عنف، وكنت اشعر بصداع شديد واغماءه في طريقها إلي، وبدا وان الجحيم قد فتح أبوابه كلها واندفع الجنود لينتزعوا منها ابنها وهي تضمه إلي صدرها اكثر وتصرخ: لا..لا..اتركوا طفلي..اتركوه
وارتفعت فوهات المدافع الآليه نحو وجهها، بكل شراسة ووحشية، اغلقت المرأه عينها علي دموعها الغزيرة، صارخة في ضراعة وانهيار: اتركوه
كنت اتوقع رصاصاتهم في اي ثانية، انهم لا يقيمون وزنا لأي مشاعر او قواعد، ولا يترددون لحظة في قتل اي شخص يعترض طريقهم، سيقتلونها حتما، وسينتزعون طفلها و ... ولكن لا
انتفضت من غيبوبتي وقمت صارخاً: لا .. لن اسمح لكم، التفت إلي الجنود الأربعة، واطلقوا رصاص مدافعهم نحوي، لحظة، انا لا اريد ان اموت، دققت السمع، نعم انه صوته، انه صوت الرصاص الذي اسمعه يوميا في التلفاز ولكن...مهلا، انه ليس رصاص مدافع، ما هذا الصوت - انها دقات موسيقي، انا اعلم هذا الصوت، انه تامر، تامر حسني !!! اين انا
استيقظت من نومي لأجد نفسي في غرفتي، علي سريري، وقد استلقي صديقي علي السرير المقابل لي وهو يدندن بشغف وهيام مع الحان اغاني شريط تامر الجديد وقد ضم الكاسيت إلي صدره
نظرت إليه في حسرة، ونظرت إلي نفسي، وتخيلت صورة المرأه العراقية في خيالي وانا اكاد ابكي، شديت الغطاء علي نفسي، وكملت نوووووووم
No comments:
Post a Comment